أدب الطفل الإسلامي الشيخ أبو الحسن الندوي نموذجاً
كتب  محمد عباس عرابي ▪ بتاريخ 28/12/2016 18:11 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 65

 

 

 

 

 

في البداية.. علينا أن نقرر حقيقةً مؤداها، أنه لا يوجد منهجٌ علميٌّ اهتم بتكوين الطفل تكوينا صحيحا مثلما اهتم به منهج الشريعة الإسلامية الغراء، كما أنه لا يوجد كتابٌ اهتم بهذا البناء، واعتنى به، وبتنشئته تنشئة تقوم على الخلق الكريم إلى حد أعجز البشر أجمعين مثلما عنيَ القرآن الكريم بالطفل المسلم.

 وكذلك لا توجد حضارةٌ اهتمت بتهذيب الطفل تهذيبا أخلاقيا ساميا مثلما فعلت الحضارة الإسلامية، وذلك من خلال اهتمام الإسلام منذ البداية ببيئة الطفل، ومجتمعه ألا وهي الأسرة. فاهتم باختيار الزوجين اللذين سيخرج منهما ثمار ذلك الغرس الطيب، والجدير بالذكر أن الإسلام كما راعى فطام الطفل من ثدي أمه ليعتمد على نفسه في الطعام والشراب، فقد راعى فطام عقله من حيث نقله من ذوق وإحساس الآخر ممن يحيطون به إلى ذوقه وإحساسه هو، ومن شعور الآخر إلى شعوره هو من خلال التربية الإسلامية السليمة، ليصبح ذا عقلٍ وإحساس وشعورٍ وذوق سليم يحتمي به، ويغذي من خلاله ملكاته الفنية والأدبية فيصبح فيما بعد قارئا ومبدعا جيدا في إطار الشريعة الإسلامية.

فأدب الطفل الإسلامي كما يعرفه د.نجيب كيلاني هو:  التعبير الأدبي الجميل، المؤثر الصادق في إيحاءاته ودلالاته، والذي يستلهم قيم الدين الإسلامي ومبادئه وعقيدته، ويجعل منها أساسا لبناء كيان الطفل عقليا ونفسيا ووجدانيا وبدنيا وسلوكيا، ويساهم في تنمية مداركه، وإطلاق مواهبه الفطرية، وقدراته المختلفة وفق الأصول التربوية الإسلامية، ويشمل الاحتياجات الأساسية للطفل حسبما أسفرت عنها دراسات العلماء المخلصين في علوم الدين والتربية وعلم النفس والاجتماع.(1)  

وعلى هذا الأساس، وإلى جانب التلقي كان ضروريا أن يكون للتربية الإسلامية دورٌ هامٌ وفاعلٌ في إثراء هذا الرافد الحيوي للأدب الإسلامي، ألا وهو الأدب الإسلامي للطفل. فكان القرآن الكريم نبعا يفيض بالمضامين الإسلامية المبسطة، والتي تغني الأعمال الأدبية للطفل، كذلك السيرة النبوية المطهرة، وسير الصحابة، حيث نجد أنها صالحة للقصص، ومرجعا لتقديمها للطفل مع ملاحظة أنها مؤيدة بالكتاب والسنة من جانب، وصادقة وواقعية من جانب آخر، ليصبح لها أثرٌ هادفٌ في ذات الطفل من جانب، وفي توجيه سلوكه، وتهذيبه من جانب آخر.

وبالإضافة إلى ذلك كانت هناك مواضيع أخرى تسير بجانب القصص القرآني مثل: أسماء الله الحسنى، وقصص الأنبياء والصالحين، والعلوم والنباتات والحيوانات، كذلك حياة النبي صلى الله عليه وسلم مثل: طفولته ومعجزاته وزوجاته وأولاده، وأطفال حول الرسول وأصحابه وغزواته، فجاءت قصص النبيين للأطفال(2) للعالم الجليل أبي الحسن الندوي، والتي صدرت عن مؤسسة الرسالة ببيروت، والتي تعد من أهم المراجع الأدبية في أدب الطفل، لتفتح الطريق أمام  الأدباء والكتاب للمساهمة في إثراء هذا الرافد العظيم، ألا وهو أدب الطفل الإسلامي، ثم أتبعها فضيلته بسيرة خاتم النبيين للأطفال(3) والتي صدرت عن نفس الدار.

لقد بذل الشيخ الندوي جهودا ملحوظة ووجيهة في ترويج الأدب العربي للأطفال بهدف تهذيبهم الخلقي، وتربيتهم تربية صالحة، حيث قام بإعداد: منهج دراسي للأطفال في أربعة أجزاء.(4). فمن المعروف أن هناك العديد من المعاهد الدراسية في المملكة العربية السعودية والعالم الإسلامي أدخلت هذه القصص في مقرراتها الدراسية، فكانت سيرة خاتم النبيين تدرس في شعبة تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، كذلك ألف الشيخ الندوي كتابه الرائد سلسلة القراءة الراشدة في ثلاثة أجزاء.(5) والذي جمع فيها ثمانية أجناس أدبية للنشء وهي: القصة، والسيرة، والحوار، والمقالة، وأدب الرحلات، والخواطر، والوصايا، والمواعظ والشعر، وذكر أنه يقصد بذلك تنشيط الطالب وإمتاعه.(6)

وكتب الشيخ الندوي مجموعة من قصص الصحابة رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم وغيرهم، بلغة سهلة وأسلوب شيق بعنوان: قصص التاريخ الإسلامي للأطفال(7) مراعيا فيها عقلية الأطفال ومستواهم لكي يتيسر لهم الاستمتاع بذلك بدون سأم أو ملل بما يتيح جوا ملائما للطفل للتذوق والتشويق حتى تصبح القراءة والتعلم عادة له. وينغرس الخلق النبيل والعقيدة القويمة في نفوسهم. يقول الشيخ / الندوي في سيرته الذاتية إنه التزم في حياته بأربعة أمور هي:(8)

 


أ‌)    أن تكون ثروة الأطفال اللغوية قليلة، ولكنها تنقش في أذهانهم بكثرة التكرار والإعادة.

ب‌)  أن يكون الكتاب في لغة القرآن وتوضع الآيات القرآنية في مكانها كالفص في الخاتم.

ت‌)  أن يشتمل على تعليم العقائد الأساسية وتلقينها للطالب بشكل عفوي.

ث‌)  أن تبسط القصص، وتزود الأطفال بما يُكرَّه إليهم الكفر والمعاصي، ويحبب إليهم الإيمان والعقيدة، ويرسخ فيهم الاعتقاد بعظمة الأنبياء وجلالة مكانتهم بشكل تلقائي لا يشعرون بثقله، بل يتلقاه الطفل ضمنا وعفوا بشكل ينسجم معه.


والمتأمل لكتابات الشيخ الندوي للطفل يجد منذ البداية أنه مَعْنيٌّ بالضرورة بموضوع هام ألا وهو التربية الإسلامية الحرة التي لا تستمد فلسفتها من الغرب، ولا من الشرق، وإنما من الإسلام عقيدة وشريعة، وقيما وأخلاقا، في حين تقتبس وسائلها وآلياتها من حيث شاءت في أطار أصولها المرعية، فالحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها.

وكذلك نجد فضيلته ينكر على التعليم التقليدي طرائقه في العناية بالألفاظ والجدليات، كما ينكر على التعليم الحديث إغفاله للروح وأهداف الحياة، وينقل عن الشاعر الكبير محمد إقبال قوله: (إن التعليم الحديث لا يعلم عين الطالب الدموع، ولا قلبه الخشوع.) (9)

ولقد اهتم الشيخ الندوي بالتربية اهتماما بالغا لأنها هي صانعة الأجيال، والتهاون فيها يعتبر تهاونا في الثروة البشرية للأمة.(10) من هنا جاءت عنايته بالطفولة والنشء، فكانت من أهم الركائز التي ارتكز عليها في الكتابة للطفل والناشئة بوصفهم رجال المستقبل، وصناع تاريخ الأمم، ولقد التفت إلى هذا الأمر الخطير وهو في الثلاثينيات من عمره، فكتب مجموعة من قصص النبيين للأطفال في لغة سهلة، وأسلوب عذب، وطريقة شيقة مضمنا إياها ما يحب من المعاني والقيم والدروس والعبر، ومن العقائد والمثل حتى قال بعض العلماء: إنها علم توحيد جديد للطفل المسلم، وأثنى عليها كثير من العلماء، فأكمل قصص النبيين، وأتمها بسيرة خاتم النبيين للأطفال صلى الله عليه وسلم.(11)

وألف مجموعة من القصص للأطفال مستوحاة من التاريخ الإسلامي حيث قدمها بقوله: إنه يريد أن ينال بهذه الخطوة تقدير رجال التربية(12)، فجاءت على قدر عال من الكمال يفوق ما كتبه غيره من الكتاب في هذا المجال، وذلك بما احتوته من توجيهات رقيقة وايضاحات كاشفة لمرامي القصة، وحوادثها ومواقفها، كذلك ما ظفر به من تعليقات في ثنايا القصة تحمل في داخلها وتوحي للقارئ بحقائق إيمانية ذات خطر، حيث تستقر في قلوب الصغار والشباب.

وأسلوب الشيخ الندوي سهل وميسور، ينسجم مع طبيعة الأطفال حسب نفسياتهم، وميولهم، وإلماماتهم، كذلك نراه يهتم بالجمل القصيرة غير المعقدة من دون إهمال النمو العقلي واللغوي والثقافي للأطفال والنشء، حيث التزم المؤلف في استخدام الكلمات والتراكيب اللغوية بمبدأ التدرج من السهولة إلى الصعوبة، كذلك استخدامه لأمور فنية كالمقدمات المشوقة والتي تبدأ بالاستفهام حيناً وبالأسلوب الممتع حيناً آخر، بما يحبب للأطفال القراءة.

وإذا كان الشيخ الندوي في قصص النبيين قد التزم في كتاباته بمحاكاة أسلوب الأطفال، وطبيعتهم، وتكرار الكلمات، والجمل، وسهولة الألفاظ، وبسط القصة، نجده وبعدما شب هؤلاء القراء الصغار عن طوقهم، وتقدموا في ثقافاتهم اللغوية، ودرجتهم العقلية، فأصبحوا قادرين على تقبَّل هذا الغذاء العلمي والعقلي، نراه لا يتقيد بذلك، ليتذوق القارئ الصغير والشاب هذه القصة الرائعة لحياة أعظم إنسان، وأشرف نبي، فجاءت وسطا بين الكتب التي ألفت للصغار والناهضين، وللكبار النابغين في السيرة النبوية، فهو جدير بالتدريس للصغار في مدارسهم، ويقرؤه الكبار المتوسطون في مكتباتهم ومنازلهم، أو نستطيع القول: إنها صالحة للطفولة المبكرة، وكذلك الطفولة المتأخرة حتى عمر الثمانية عشرة على حد قول علماء النفس والاجتماع.(13) 

فكتاب سيرة خاتم سيرة النبيين للأطفال للشيخ الندوي يحمل الكثير بما يتيح ترجمته إلى مسلمي العالم، فقد جاءت فيه خلاصة السيرة ولبابها، وروائع حكاياتها وأخبارها، إلى جانب تاريخ الدعوة الإسلامية الأولى وفتوحاتها، وانتصاراتها، وعجائب التربية النبوية ومعجزاتها، فكان الكتاب مدرسة كاملة ينشأ فيها التلميذ بين إيمانٍ وحنان، ويتقلب بين روح وريحان، ويتخرج منها وقد حمل معه الزاد الذي يسير به في حياته، والنور الذي يهتدي بضوئه، وسلاحه الذي يدافع به عن نفسه وإيمانه. وكذلك رسالته التي يحملها للعالم بأسره.

 ولا يفوتني أن أنوهَ بملاحظة هامة صاحبت هذا الجهد، وهذا التأليف لهذه الأعمال للشيخ الندوي لتخرج إلى القارئ الصغير في يسر وسهولة، ألا وهي الطباعة والتي التزمت بها مؤسسة الرسالة ببيروت، وهي:

أولاً: أنها راعت في إخراج الكتب أنها للنشء، فجاءت في إخراجها شبيهة بالكتب المدرسية من حيث حجم الكتاب، وغلافه الجذاب، والخط الذي التزمت به الدار في كتابة جميع الصفحات بخط النسخ، وحجمه الكبير.

ثانياً: نجد أن الشيخ الندوي قد راعى أنه يكتب لتلاميذ المدارس الصغار والكبار بما لا يتجاوز المدارس الثانوية وما في مستواها، فقد رأى ضرورة شرح المفردات اللغوية الصعبة لهؤلاء القراء الصغار في هامش الكتاب مثلما تفعل وزارة التربية والتعليم في كتبها فيذكر في مقدمة السيرة(14) أنه عهد إلى الأستاذ نور عالم الأميني الندوي، وهو يمارس التدريس في دار العلوم، ويعرف المستوى الثقافي لأمثال هؤلاء التلاميذ، فعهد إليه أن يتناولها بالشرح والإيضاح، فجاءت مؤلفات فضيلته للأطفال على قدر عال من التوفيق والنفع بهذا الإخراج لتعم الفائدة للقارئ الصغير، والنشء المسلم، ونموذجا يحتذى به في تأليف وإخراج كتب أدب الطفل المسلم.

***

هوامش:

1) نجيب كيلاني، أدب الأطفال في ضوء الإسلام، مؤسسة الرسالة ط/بيروت 1998،  ص14.

2) أبو الحسن الندوي،  قصص النبيين للأطفال، مؤسسة الرسالة، ط.بيروت1983.  

3)  أبو الحسن الندوي، سيرة خاتم النبيين للأطفال، مؤسسة الرسالة، ط/بيروت 1982.

4)  أ.د.شفيق أحمد خان الندوي، أبو الحسن الندوي عميد الأدب الإسلامي، مجلة الأدب الإسلامي، مايو 2014.

5)  أبو الحسن الندوي، القراءة الراشدة لتعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية، مؤسسة الرسالة، ط/ بيروت 1982. 

6)  مقدمات الشيخ أبو الحسن الندوي، تحقيق: سيد أحمد زكريا الغوري الندوي. الناشر:  دار ابن كثير 2010. 

7) أبو الحسن الندوي، قصص التاريخ الإسلامي للأطفال، مؤسسة الرسالة، ط/بيروت 1992.

8) عبد الحليم عويس، أبو الحسن الندوي مفكر وداعية، مجلة الفيصل، السنة الرابعة، ع 39 رمضان 1400هـ/ 1980م.

9) جهود الشيخ الندوي في خدمة الأدب الإسلامي، بحوث ودراسات، رابطة الأدب الإسلامي العالمية.

10) د.عبد الباسط بدر، الشيخ أبو الحسن الندوي بحوث ودراسات، الناشر، رابطة أدباء الشام.

11) أبو الحسن الندوي، سيرة خاتم النبيين للأطفال، مؤسسة الرسالة، ط/ بيروت 1982م، المقدمة.

12) أبو الحسن الندوي، قصص التاريخ الإسلامي، مؤسسة الرسالة، ط/ بيروت 1982م.

13) أ.د.أحمد عزت راجح، علم النفس الاجتماعي، دار الجامعات المصرية بالإسكندرية 1978م.

14) أبو الحسن الندوي، سيرة خاتم النبيين للأطفال، مؤسسة الرسالة، ط/ بيروت 1982م، المقد

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب