الصورة الشعرية في منظومة "مسجدِ قرطبة" للعلامة محمد إقبال (3/2)
كتب  د.تغريد محمد البيومي السيد ▪ بتاريخ 09/11/2021 13:02 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 118

ثانياً: المحسنات البديعية:

تعرف بالزينة اللفظية أو الزخرف اللفظي أو اللون البديعي؛ فالمحسنات تهتم بتزيين الألفاظ أو المعاني بألوان بديعية، ومن المحسنات (الطباق، والمقابلة، والجناس، والتكرار، والالتفات، والاقتباس، والرمز، والتلميح)، وقد استخدمها الشاعر كالتالي:

  1. 1.    الطباق:

استخدم الشاعر الطباق الإيجابي في أكثر من موضع، إذ يقول: "روز وشب: النهار والليل"، وأيضاً "حياتِ وممات: الحياة والممات"، "دن، رات: النهار، الليل"، "آنى وفانى: الموجود والفانى"، "اول وآخر: الأول والآخر"، "باطن وظاهر: الظاهر والباطن"، "رزم ہو يا نرم ہو: حرب أم سلم"، "تيرى زميں آسماں: أرضك وسماؤك"، "موت، زندگى: الموت والحياة".

 من هنا نرى سر جمال الطباق يكمن في إبراز المعنى وتقويته، وإثارة انتباه السامع عن طريق ذكر الشيء وضده.

  1. 2.    المقابلة: 

استخدم الشاعر المقابلة إذ يقول:

 "عشق سے نور حيات، عشق سے نار حيات:

 الترجمة: نور الحياة من العشق، نار الحياة من العشق

 "اس كے دنوں كى تپش، اس كى شبوں كا گداز:

 الترجمة: حرارة أيامه، ونشوة لياليه".

وسر جمالها تكمن في أنها تعطي جرساً موسيقياً تطرب له الأذن، ويثير الذهن ويقوي المعنى.

  1. 3.    الجناس:

استخدم الشاعر الجناس غير التام إذ يقول: "لَے، نَے: لحن، مزمار"، "عجيب، غريب"، إذ إنه يحدث نغماً موسيقياً تثير النفس وتطرب إليه الأذن، كما يؤدي حركة ذهنية تثير الانتباه عن طريق الاختلاف فى المعنى.

  1. 4.    التكرار:

استخدم الشاعر التكرار في موضعين الأول؛ تكرار نصف شطرة خمس مرات، إذ يقول:

سلسلہء روز وشب، نقش گرحادثات

سلسہء روزوشب، اصل حيات وممات

سلسلہء روز وشب، تار حرير دورنگ

سلسلہء روزوشب، سازازل كى فغاں 

سلسلہء روزوشب، صيرفىء كائنات

   الترجمة: تعاقب الليل والنهار، يصنع الأحداث

تعاقب الليل والنهار، أصل الحياة والممات

تعاقب الليل والنهار،  من لوني خيط الحرير

تعاقب الليل والنهار، صوت قيثارة الأذل

تعاقب الليل والنهار، صائغ الكائنات.

والثاني؛ تكرار نصف شطرة مرتين، إذ يقول:

كارجہاں بے ثبات! كار جہاں بے ثبات!

الترجمة: لا ثبات لأعمال الدنيا! لا ثبات لأعمال الدنيا!

يفيد التكرار في تقوية المعنى، وتهيئة جو نفسي، وموسيقى شعرية تطرب القارئ.

  1. 5.    الالتفات:

وهو الانتقال من ضمير إلى ضمير إذ يقول:

"تجھ كو پركھتا ہے يہ، مجھ كو پركھتا

 ہے يہ: أنه تختبرك، أنه يختبرنى"

تو ہو اگر كم عيار، ميں ہوں اگر كم عيار   

موت ہے تيرى برات، موت ہے ميرى برات

الترجمة: إن كنت قليل العيار، وكنت أنا قليل العيار، فالموت قدرك والموت قدري.

وسر الجمال هنا إثارة الذهن، وجذب الانتباه، ودفع الملل.

  1. 6.    الاقتباس: 

هو أخذ كلمات أو عبارات قرآنية مع التغيير فيها أو بدون تغيير ومن دون نسبها إلى قائلها الحقيقي، يقول:

"آه وه مردان حق! وه عربى شہسوار     

حاملِ"خلق عظيم" صاحب صدق ويقين"

الترجمة: آه رجال الحق أولئك! أولئك القادة العرب! أصحاب "خلق عظيم"، أصحاب صدق ويقين.

اقتبس الشاعر آية قرآنية من قوله تعالى: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾([1]) حيث يريد أن يوضح أن مسلمي الأندلس يحملون أفضل الأخلاق الطاهرة، ويأخذونها من رسول الله، وهي أهم صفة من صفات سيدنا محمد r وصفه بها الله تعالى.

ويقول أيضاً:

"ہاتھ ہے الله كا، بندهء مومن كا ہاتھ   

غالب وكار آفريں، كاركشا، كار ساز"

الترجمة: يد الله هي يد العبد المؤمن، هو الخالق، هو البادئ، هو الصانع.

فهنا تعبير لا يقصده لذاته، بل للمعنى الكامن وراءه، اقتبسه الشاعر من قول الحق U: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾([2])، يريد الشاعر أن يوضح أن يد الله في الأرض في يد عبده المؤمن بتأييده، فيقول الحديث القدسي "مايزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت... ويده التي يبطش بها...."([3])، فمسجد قرطبة هذا العمل الخالد لم يكن بناه "عبد الرحمن الداخل" بيده، بل هو موكل من الله، ويد الله تعالى بتأييده في يده، فهو العبد المؤمن الذي مازال يتقرب إلى الله حتى أحبه وأصبح يده التي يبطش بها.

  1. 7.    التضمين:

التضمين هو أن يضمن الشاعر نظمه شيئاً من نظم غيره، وقيل: إنه تضمين الشعر من شعر شاعر آخر، مع التنبيه عليه إن لم يكن مشهوراً عند البلغاء([4])، فاستخدم الشاعر التضمين من الشعر العربي إذ يقول:

" عشق كى مستى سے ہے پيكر گل تابناك

عشق ہے صہباے خام، عشق ہے كاس الكرام"

الترجمة: بنشوة العشق يضيء الجسد الترابي، العشق هو الخمر الخالص، العشق هو كأس الكرام.

وهو مأخوذ من الشعر العربي، إذ يقول:

شربنا وأهرقنا على الأرض فضله    وللأرض من كأس الكرام نصيب([5])

هنا ضمن "إقبال" "كاس الكرام" من الشعر العربي، وذلك دلالة على كثرة اطلاعه، فهنا يصف عشق ذات الله تعالى مثل كأس الكرام، والمقصود بها الكأس الذي يمتلئ ويفيض على الأرض من حوله، فعشق الإنسان لله يجعله ينتشي ويفيض على من حوله.

  • ويقول:

مرد سپاہى ہے، وه اس كى زره لا اله   

سايهء شمشير ميں اس كى پنہ لا الہ

الترجمة: رجل جندي، درعه لا إله إلا الله، ملجؤه لا إله إلا الله في ظل السيف.

يتحدث الشاعر هنا عن رجال الإسلام، فيصفهم بأنهم جنود الله تعالى على الأرض، ففي ساحة الحرب يكون درعهم التوحيد، وكلما اشتدت بهم الحرب فلا ملاذ لهم سوى إيمانهم واعتمادهم على الله، أي لا إله إلا الله، فنراه ضمن النص بـ "لا  الہ" أي كلمة التوحيد، حيث قام بتوظيف النص الديني في محاولة منه للتأكيد على أن كلمة الشهادة ليست عبارة عن لفظة ينطقها اللسان، بل هي قيمة الإيمان، ويجب على كل من يلفظها أن يتحمل مسؤوليتها كاملة([6])، فنرى الشاعر سعى لتكثيف الصورة  بكلمات قليلة، وهذا من جماليات فن الرمز التي برع فيها الشاعر.

  1. 8.    التلميح:

التلميح هو الإشارة في فحوى الكلام، أو قرينة تدل إلى قصة معلومة، أو نكتة مشهورة، أو بيت شعر حفظ لتواتره، أو إلى مثل سائر يجريه في كلامه على جهة التمثيل، وأحسنه وأبلغه ما حصل به زيادة في المعنى المقصود، ومن دون معرفة أو فهم هذه الإشارة لا يمكن فهم كلامه بشكل جيد، فيستخدم الشاعر ألفاظاً عندما تأتي على اللسان يتمثل ما يشير إليه أمام الأعين على الفور، والغرض منها إيصال وتفهيم الكثير من المعانى بالقليل من الألفاظ([7]).

أتقن "إقبال" التلميح فبرع فى استخدام الكلمات الدالة على الحدث، والتي تجسد المشهد أمام القارئ، وتعمل على زيادة ترسيخ الحدث وتوظيفه.

  • إذ يقول:

تيرے در وبام پر وادئ ايمن كا نور

تيرا منار جلوه گہ جبرئيل

الترجمة: على بابك وسقفك نور الوادي الأيمن، ومئذنتك مكان تجلي جبريلu.

هنا يصف "إقبال" المسجد فيرى شرفاته مشرقة بنور ربها، ومنارته عالية في السماء، والتي تبلغ (800) قدم، وهي مهبط جبريل u، في الشطر الأول أراد الشاعر أن يصف النور الذي على شرفات المسجد فلم يجد أجمل وأقوى من نور الوادي الأيمن بالبقعة المباركة في سيناء، وذكر الوادي الأيمن يسترجع معه القارئ قصة سيدنا موسى u، إذ يقول الله تعالى: ﴿إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى* فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى﴾([8]). وفي موضع آخر يذكرها الله U بالوادي الأيمن إذ يقول: ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الوَادِ الأَيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ﴾([9])، فهنا تلميح أفاد في إتمام المعنى دون إطالة، وأثر في النفس دون تفصيل أو ملل.

  • ويقول أيضاً:

مٹ نہيں سكتا كبهى مرد مسلماں كہ ہے

اس كى اذانوں سے فاش سر كليم وخليل

الترجمة: لا يمكن للمسلم أن يندثر قط، فإن سر موسى وإبراهيم ينكشف من أذانه.

هنا أراد الشاعر أن يوضح مدى قوة ومتانة المسجد وخلوده الذى لا يمحى، والمستمد من قوة ومتانة الإسلام، والذى يذكرنا به الأذان، ويكشف معه سر سيدنا إبراهيم، وسيدنا موسى عليهما السلام. فنلاحظ استخدام التلميح هنا ليفيد في تمام المعنى، وحشد كثير من الأفكار بمجرد ذكر الأسماء، وهذا يندرج تحت توظيف الشخصيات الدينية فى جزء من التلميح، فالدوافع التي وقفت وراء توظيف الشاعر لهم تعود إلى إغناء تجربته الشعرية وتطويرها وتعميقها فنياً، ذلك بما أتاحته له شخصية سيدنا موسى وسيدنا إبراهيم عليهما السلام من قدرة على الإيحاء والتأثير في جعلهما جزءاً من النص([10])، فشخصية سيدنا إبراهيم عليه السلام رمز للتوحيد في مجتمع وثني، وشخصية سيدنا موسى عليه السلام رمز للقوة في مواجهة الظلم، وكلاهما حمل على عاتقه مواجهة رموز الشرك والكفر والوثنية بكل جرأة وشجاعة، فكلاهما كان الرجل الحق في مواجهة معركة وجود الغيمان ضد الكفر، حيث يرى "إقبال" أنه مع رفع الأذان نتذكر جهاد أنبيائنا ضد الباطل، وثباتهم على الحق، وهو سر وجود الإسلام حتى اليوم.

  • ويقول أيضاً:

ديكھ چكا المنى، شورس اصلاح دين

جس نے نہ چهوڑے كہيں نقش كہن كے نشاں

الترجمة: لقد شاهدت بنفسك ثورة إصلاح الدين في ألمانيا، التي محت تماماً آثار الزمن القديم. 

يتشوق "إقبال" إلى ثورة جديدة مركزها الشرق الإسلامي فيقول: إن ألمانيا شهدت ثورة الإصلاح الديني التي محت الآثار القديمة والتقاليد البالية في أوربا، ففي "شورس اصلاح دين" تلميح تاريخي، فالشاعر يلمح لثورة الإصلاح الديني التي قامت في ألمانيا، وتزعمها "مارتن لوثر"([11]) سنة 1517م، وأبرز مقومات فكر لوثر اللاهوتي هو أنّ الحصول على الخلاص أو غفران الخطايا هو هديّة مجانيّة ونعمة الله من خلال الإيمان بيسوع المسيح مخلصًا، وبالتالي ليس من شروط نيل الغفران القيام بأي عمل تكفيري أو صالح؛ وثانيًا: رفض «السلطة التعليمية» في الكنيسة الكاثوليكية والتي تنيط بالبابا القول الفصل فيما يتعلق بتفسير الكتاب المقدس معتبراً أنّ لكل امرئ الحق في التفسير. وثالثًا: أنّ الكتاب هو المصدر الوحيد للمعرفة المختصة بأمور الإيمان. رابعًا: سلطة الكهنوت الخاص باعتبار أن جميع المسيحيين يتمتعون بدرجة الكهنوت المقدسة. وخامساً: سمح للقسس بالزواج، وغيرها. وعلى أساسها انقسمت المسيحية إلى الكاثوليك والبروتوستانت([12]).

  • ويقول:

چشم فرانسيس بهى ديكھ چكى انقلاب

جس سے دگرگوں ہوا مغريبوں كا جہاں

الترجمة: رأت عيون الفرنسيين الثورة، التي قلبت أحوال الغرب كله.

ما زال "إقبال" يتحدث عن الثورة التي يتمنى أن تجتاح العالم الإسلامي، فيلمح بثورة فرنسا في قوله "فرانسيس انقلاب"، وهي الثورة التي اندلعت في الرابع عشر من يوليو عام 1789م، وامتدت حتى 1799م، إذ كانت فترة من الإضطرابات الإجتماعية والسياسية في فرنسا أثرت بشكل بالغ العمق في فرنسا وجميع أوروبا، فقد انهار خلالها النظام الملكي المطلق في غضون ثلاث سنوات، والذي كان يحكم فرنسا منذ عدة قرون، وخضع المجتمع الفرنسي لعملية تحوّل مع إلغاء الامتيازات الإقطاعية والارستقراطية، إلى جانب بروز دور عموم الجماهير وفلاحي الريف في تحديد مصير المجتمع، كما تم خلالها رفع ما عرف باسم مبادئ التنوير وهي المساواة في الحقوق والمواطنة، والحرية، ومحو الأفكار السائدة عن التقاليد والتسلسل الهرمي والطبقة الأرستقراطية والسلطة الملكية، وتم إعلان إلغاء الملكية ثم إعلان الجمهورية الفرنسية الأولى (أي النظام الجمهوري) في سبتمبر 1792م، وأعدم الملك لويس السادس عشر في العام التالي.

كانت التهديدات الخارجية قد لعبت دورًا هامًا في تطور الأحداث، إلى أن وصل نابليون الأول إلى السلطة، وأعقب ذلك إعادة النظام الملكي تحت إمرته وعودة الاستقرار إلى فرنسا. وقد استمر عودة الحكم الملكي واستبداله بنظام جمهوري لفترات ممتدة خلال القرن التاسع عشر، وبعد خلع نابليون قامت الجمهورية الثانية (1848-1852) تلتها عودة الملكية (1852-1870)([13]). فنرى كيف استطاع الشاعر إيصال المعنى المراد باستخدام ألفاظ بسيطة، فبمجرد ذكر ثورة فرنسا رجع القارئ بخياله للحرية والعدالة الاجتماعية والمبادئ التي قامت الثورة لأجلها، فالتلميح صنعة معنوية وليس لفظية لأنه يضيف جمالاً في المعنى لا في اللفظ.

  • ويقول أيضا:

ملت رومى نژاد كہنہ پرستى سے پير  

لذت تجديده سے وه بهى ہوئى پهر جواں

الترجمة: أهل إيطاليا شاخوا بسبب تمسكهم بالقديم، ثم صاروا شباباً بفضل متعة التجديد.

استمر "إقبال" فى تلميحه بثورة التجديد الذي يشتاق إليه، فيلمح بقول "ملتِ رومى نژاد"، و"لذتٍ تجديد" فيقصد به أهل إيطاليا، ويشير إلى العظمة التي عاشتها تحت قيادة حكم "موسوليني"([14])، لكنها محيت مع الحرب العالمية الثانية، وإن كان "إقبال" نظم هذه القصيدة قبل الحرب العالمية الثانية، وقد بث موسوليني في الشعب الإيطالي روح النخوة والطموح، والاعتداد بالنفس والقومية الرومية.

  1. 9.    الرمز

الرمز في اللغة: الإشارة والإيماء، وهو في الاصطلاح الأدبي: "علامةٌ تُعتبر ممثِّلة لشيء آخر ودالَّة عليه، فتُمثِّله وتحلّ محلّه"، ويستعمله الأديب خروجاً من المباشرة إلى عوالم فنية يوظف فيها حدثاً تاريخياً أو أسطورة أو شخصية تراثية أو أي كائن من كائنات الوجود، يعمد الشاعر فيه إلی الإيحاء والتلميح بدلاً من اللجوء إلی المباشرة والتصريح([15]).

وقيل: الرمز إشارة أو إيماء بالعينين والحاجبين والشفتين والفم، وهو كل ما أشرت إليه فيقول الله U ﴿أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ رَمْزاً﴾([16])، ويفهم من محتواه معنى ما([17]).

لجأ "إقبال" إلى الرمز والإشارة في العديد من المواضع داخل القصيدة مما يضفي جواً نفسياً مثيراً ومؤثراً في نفس القارئ، ويثير انتباهه ليفكر في المعنى المقصود من البيت، فنراه يضفي على الأبيات روح الشفافية وإطلاق الظلال والقرائن.

  • إذ يقول:

مردِ خدا كا عمل عشق سے صاحب فروغ

عشق ہے اصل حيات، موت ہے اس حرام

الترجمة: يسود عمل رجل الحق بالعشق، العشق أصل الحياة، والموت محرم عليه.

 هنا يتحدث الشاعر عن العمل الخالد الباقي، وهو الذي يكون لوجه الله، فالإنسان المتيم بحب الله U يعمل ما فيه الخير للجميع دون مقابل من الناس، بل هو لله فقط، فبسبب حبه لذات الله تعالى يكون العمل خالداً وباقياً، فيموت الإنسان وتبقى أعماله الصالحة التي تجسد مدى حبه لله تعالى، لذا يصف الشاعر هذا العمل بالحب (المتجلي داخل العمل الصالح). ويقول: إن الحب خالد، فهو أصل الحياة والموت محرم عليه، فاستخدم "إقبال" لفظ "مردِ خدا: رجل الحق أو رجل الله" في أكثر من موضع في القصيدة، حيث يرمز إلى الإنسان الذي تكون كل أعماله تتبع رضا الله U([18])، ويستخدم الشاعر هذا المصطلح لكي يؤثر في نفس المتلقي ويرسخ فى ذهنه.

  • ويقول أيضاً:

عشق دم جبرئيل، عشق دل مصطفىr  

عشق خدا كا رسول، عشق خدا كا كلام!

الترجمة: الحب أنفاس جبريل، قلب المصطفىr، الحب هو رسول الله، الحب هو كلام الله!

فالحب هو العاطفة التي تسمو على المادة والمعدة، وهي حقيقة جامعة بين الإيمان والحنان، ولا صلة له بالغرام والعاطفة الجنسية([19])، فروح جبريل الطاهرة، وقلب المصطفى عليه السلام وأخلاقه النبيلة، وكلام الله تعالى؛ أي القرآن الكريم؛ كل هذا يتجلى فيه معنى الحب، فنراه هنا لجأ إلى الرمز في "جبريل، والمصطفى، وكلام الله" أي يقصد به الرسالة السماوية التي تجلت من عند الله، عن طريق جبريل عليه السلام، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحب سر كامن وراء كل هذا.  

  • ويقول:

رنگ ہو يا خشت وسنگ، چنك ہو يا حرف وصوت

معجزهء فن كى ہے خون جگر سے نمود!

الترجمة: سواء كان لوناً أو حجراً أو مزماراً أو صوتاً أو حرفاً، فإن معجزة الفن تظهر بدماء الكبد.

يقول الشاعر: إن البدائع الفنية إذا لم ترافقها العاطفة، ولم يسقها دم الكبد، أي لم يروها الحب الصادق، تصبح لا قيمة لها. فالمعجزة الفنية لا تعيش إلا بالحب، ففي المصراع الأول استخدم "خشت وسنگ: الطوب اللبن أو الحجر" رمزاً إلى فن العمارة، و "چنگ: المزمار" رمزاً إلى فن الموسيقى، و"حرف وصوت: الكلمة والحرف" رمزاً إلى فن الإنشاء أو الشعر([20])، فجمع بين كل هذه الفنون بأنها لو لم يكن بها إخلاص فلا تكون فناً خالداً، فالإخلاص يجعلها معجزة.

  • يقول أيضاً:

شوق مرى لے ميں ہو، شوق مرى نے ميں ہے

نغمہء الله ہو ميرے رگ وپے ميں ہے

الترجمة: الشوق في لحني، والشوق في مزماري، وأغنية الإيمان بالله تسري في عروقي وأوصالي.

هنا يقول الشاعر: إن ذكر الله في شعره، وفي كل لفظة يتلفظ بها وفي لحنه، وتنبض كل عروقه بحب الله، فهنا صورة رمزية للبيت ككل يرمز إلى حب الشاعر لذات الله تعالى؛ إذ إن الصور الرمزية هنا تبدأ من الأشياء المادية، علی أن يتجاوزها الشاعر ليعبر عن أثرها العميق في أغوار النفس اللاشعورية، وهي الخفية في النفس، فأراد أن يوضح أن حب الله يتغلغل بداخله، كما استخدم الشاعر لفظ "الله ہو" أي هو الله، وهو أسلوب نداء من التعبير الصوفي.

  • ويقول:

اس كى زميں بے حدود،اس كا افق بے ثغور

 اس كے سمندر كى موج، دجلہ ودنيوب ونيل!

الترجمة: أرضه بلا حدود، وأفقه بلا ثغور، موج بحره دجلة والدانوب والنيل

هنا يتحدث الشاعر عن الأمة الإسلامية وكأنها مجسدة في صورة المسجد فيقول: إن أرضها بلا حدود، وأفقها بلا ثغور، وأمواج أنهار دجلة ودانوب والنيل ما هي إلا موجة صغيرة في بحره الواسع([21])، فلجأ الشاعر للرمز في قوله " دجلہ ودنيوب ونيل"، فنهر دجلة في العراق، ونهر دانوب في جنوب ألمانيا، ونهر النيل في أفريقيا، فنراه رمز لقارة آسيا وأوربا وأفريقيا، حيث إن الإسلام انتشر في تلك القارات، وتلك القارات موجة صغيرة في بحره الواسع.

فكل هذه المحسنات البديعية تضفي جمالاً وإبداعاً للنص، وتجعله أكثر شجناً وطرباً للنفس.


 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب