العدد 118
(مؤتمر شاعر الإسلام محمد إقبال، في رحاب إيوان إقبال بمدينة لاهور، في الباكستان، بالتعاون بين المكتب الإقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية في باكستان، والجامعة الأشرفية، وحكومة البنجاب المحلية، في المدة من 29-30 تشرين الأول (أكتوبر) 2016م).
المقدمة:
كتب العلامة إقبال منظومة "مسجدِ قرطبة" ضمن مجموعته الشعرية الثانية "بال جبريل: جناح جبريل" باللغة الأردية، والتي طُبعت للمرة الأولى عام 1935م، وأكثر منظومات هذه المجموعة قصيرة إلا ثلاث منظومات هي "ذوق وشوق"، و"مسجدِ قرطبہ"، و"ساقى نامہ". وهذه المنظومات الثلاث مما تفخر به اللغة الأردية بحق، فهي تحتوي على خلاصة أفكار إقبال، وتعكس إخلاصه وصدقه وقوة بيانه([1])، نظم "إقبال" منظومة "مسجدِ قرطبہ" عام 1932م عندما زار إسبانيا، فلما رأى المسجد بعظمته وجماله وإبداعه، وقف أمامه وقفة شاعر مؤمن، وقفة خاشع أمام العاطفة القوية، والحب الطاهر؛ الذي حمل "عبد الرحمن الداخل"([2]) على بناء هذا المسجد العظيم الذي أسس على التقوى، وقفة خاشع أمام العبقرية المعمارية التي أنتجت هذا الأثر البنائي الخالد، وأمام الفن الإسلامي العربي الذي تجلت فيه أخلاق المسلم وصفاته من علو في الهمة، واتساع في القلب، وبساطة في المظهر، وبراءة في النية، وثبات على الحق، وجمع بين الجمال والجلال، والأنفة والتواضع([3])، مما أشعل بداخله بركاناً من المشاعر والأحاسيس التي كونت المنظومة، فنراها مثل القيثارة فإذا هو يضمها إلى صدره يستخرج من أوتارها ألحانه الرصينة الرائعة، ويتفجر نغمها تفجراً على لسانه. فإقبال من الذين أحكموا العزف عليها إحكاماً جعل أنغامها تتشكل تحت أصابعه المدّربة تشكلاً يأسر القلوب والألباب. فتناغم بالعديد من الصور الشعرية التي تؤثر في السامع، فنرى ترادف أشكال البيان من تشبيه واستعارة وكناية، وتنوع المحسنات البديعية من طباق وجناس ومقابلة ورمز وتلميح، وإن كان البعض يطلق عليها وسائل التصوير التقليدية([4])، ولكن "إقبال" وظف هذه الأشكال التقليدية توظيفاً فنياً جديداً للإيحاء بأبعاد نفسية وشعورية لم تكن هذه الوسائل عادة توظف للتعبير عنها.
فالمنظومة تعبر عن أبهى عصور الإسلام ومكانته الرفيعة، مما كان له أكبر الأثر على نفسي في اختيار الموضوع. أما عن أهمية البحث فتكمن في الوقوف عند مواطن الجمال في النص واستخراجها، والوقوف أيضاً عند الأبعاد التي يمتاز بها النص على الرغم من تلاحمها وامتزاجها، وهكذا فإنه على كثرة الدراسات العربية والأردية التي تناولت أعمال العلامة "إقبال" من قبل إلا أنه لم يتناول أحد موضوع الصورة الشعرية في هذه المنظومة موضوع البحث، وهذا هو الجديد التي ستقدمه الدراسة.
وعلى الرغم من ترجمة المنظومة موضوع البحث إلى العربية قبل ذلك مرتين؛ إحداهما على يد الشيخ "الصاوي شعلان" لكنها كانت ترجمة لروح النص، ومعناه الإجمالي لدرجة دمجه بعض الأبيات الأردية في بيت واحد باللغة العربية، والأخرى كانت قد ترجمت من اللغة الأردية إلى اللغة الفرنسية نثراً على يد السيد "ميرزا سعيد الظفر جغتائى" والسيدة "سوزان بلزاك"، ثم نقله من الفرنسية إلى العربية نثراً الأستاذ "عبد المعين الملوحي"، ثم صاغه بالعربية شعراً الأديب والناقد السوري الأستاذ "زهير ظاظا"، وهو ما تمكنت من الاطلاع عليه، لكنها ترجمة لا يعتد بها في البحث، وذلك لأنها تفتقد الكثير من روح النص الأصلي، إذ إنها لم تكن من الأردية مباشرة، الأمر الذي جعلني أقوم بترجمة المنظومة كاملة للوقوف على ماهيتها ومعانيها وصورها الشعرية التي لا تتضح إلا من خلال ترجمة المفردات ترجمة صحيحة دقيقة للوقوف على أسرارها المكونة لصورتها الشعرية.
ولما كان البحث يهدف إلى دراسة الصورة الشعرية في المنظومة للوقوف عند مواطن الجمال في النص واستخراجها، فكان من المناسب اتباع المنهج الجمالي، فيتناول الفكرة أو الموضوع الذي يتضمنه العمل الأدبي، وكذا الشكل الذي قدم فيه فكرة العمل، وكيفية استخدام الألفاظ وحسن ترتيبها، وحسن استخدام الألوان البلاغية المختلفة والصياغة اللفظية.
وقد أعددت البحث في مقدمة، وتمهيد، ومبحثين؛ الأول: عرض للمنظومة، والثاني: الصورة الشعرية في المنظومة، ثم نتائج البحث، وثبت بالمصادر والمراجع، مع ترجمة المنظومة كاملة.
تمهيد: مسجد قرطبة:
كان مسجد قرطبة من أكبر وأشهر مساجد الأندلس، بناه صقر قريش "عبد الرحمن الداخل" سنة (170هـ/ 786م)، وتم بناؤه خلال قرنين ونصف قرن تقريباً، وذلك حين اتخذ بنو أمية قرطبة حاضرة لملكهم، حيث شاطر المسلمون نصارى قرطبة كنيستهم العظمى، فبنوا في شطرهم مسجداً وبقي الشطر الآخر للروم، وحينما ازدحمت المدينة بالمسلمين وجيوشهم اشترى "عبد الرحمن الداخل" شطر الكنيسة العائد للروم مقابل أن يُعيد بناء ما تـمّ هدمه من كنائسهم وقت الفتح، وكانت مساحته آنذاك (4875 متراً مربعاً) يتألف من حرم عرضه (73.5) متراً، وعمقه (36.8) متراً، مقسم إلى (11) رواقاً، بواسطة (10) صفوف من الأقواس، يضم كل منها (12) قوساً ترتكز على أعمدة رخامية، وتمتد عمودياً على الجدار الخلفي. وهذه الصفوف تتألف من طبقتين من الأقواس، الأقواس السفلية منها على شكل حدوة الفرس، والعلوية تنقص قليلاً عن نصف دائرة، وهي تحمل سقفاً منبسطاً، يرتفع مقدار (9.8) متر عن الارضية، وفوقها (11) سقفاً جمالونياً متوازياً، بينها أقنية عميقة مبطنة بالرصاص، والكتابات التي تزين واجهة المحراب بعضها يصعب فهمها، وبعضها آيات قرآنية، وكان المسجد قديماً يُسمى بـ(جامع الحضرة) أي جامع الخليفة.
تعرّض المسجد في سنة 400هـ، للنهب، بعد أن ترك الناس قرطبة، نتيجة القتال الذي نشب بين "المهدي" وبين "سليمان بن الحكم"، فاجتاح قساوسة قرطبة سنة 633هـ،1326م، ما في قرطبة من مساجد وقصور، وتعرّضوا للمسجد وخربوه. أمّا القبة فتعد إحدى آيات الفن المعماري، وهي على هيئة نجمة مُثمّنة الزّوايا، تحتوي في أعلاها على صَدَفَة. لم يرغب الأسبان في هدم المسجد عقب سقوط قرطبة فحولوه إلى كنيسة تملأ جدرانها النقوش القرآنية تتداخل مع التماثيل والأيقونات المسيحية وشواهد رفات القديسين ورجال الدين الذين دفنوا في المكان، أمّا اليوم فيُسمى بـ(مسجد الكاتدرائية) بعد أن حوله الأسبان كاتدرائية مسيحية([5]).
***
المبحث الأول: عرض المنظومة:
جاءت منظومة "مسجد قرطبة" فى ثمانية مقاطع، يحتوي كل مقطع منها على صورة شعرية، وسأقوم بعرضها عرضاً موجزاً طبقاً لما قمت بترجمته، وعلى الرغم من أن هذه المنظومة نُظمت فى "أسبانيا" لكننا لا نجد فيها الجو الأسباني، وإنما نجد الجو العربي البدوي، فأصبح لونها لوناً عربياً([6]).
ففي المقطع الأول؛ بدأ "إقبال" يعرفنا أن العالم خاضع للفناء، وأن الجميع قد كتب عليه الاندثار والاضمحلال حتى البدائع الفنية التي تنبتها العبقرية الإنسانية كُتب عليها ذلك، ولا يعيش بين تلك الآثار إلا ذلك الأثر الذي ينتجه عبد مخلص لله، فالعمل الذي يستمد الحياة والنور من العاطفة المؤمنة هو الباقي الخالد.
وفي المقطع الثاني؛ يعرفنا "إقبال" معنى حب الله، فيقول: إنه أصل الحياة، والموت محرم عليه، وأن سيل الحياة عنيف، وحب الله كالسيل، ويزيد من جمال الصورة فيقول: إن هذا العشق لا يخضع لتقويمنا، بل له أزمنة ليست معروفة في لغتنا، ويصف هذا العشق بأنه يتجلى من الرسالات السماوية والرسالة المحمدية، فيجعل الإنسان وضاء مثل الوردة، فهو الخمر الذي سكر به العارفون، وهو القائد في الحرب، وهو مثل ابن السبيل لا يزال في حل وترحال، فهو قيثارة الحياة التي تستمد منه نورها ونارها([7]).
وفي المقطع الثالث؛ يوجه نداءه للمسجد، ويقول له: إن هذا الحب - الذي سرده في المقطع السابق - سر وجودك، وأنت مدين له. وهنا صورة جمالية جزئية يخاطب فيها المسجد، وهو تشخيص المجردات والجمادات وتحويلها إلى كيانات حية متحركة تحس وتتنفس، فالتشخيص هنا هو الوسيلة الأساسية في بناء الصورة([8]). ويستكمل الصورة بقوله: إن العمل الخالد الذي يسقيه دم الكبد هو الذي يحول الصخر إلى قلب ينبض بالحياة، وجمع كل فنون الحياة من العمارة، والموسيقى، والإنشاء بأنها تكون خالدة لو كان بها إخلاص، فالعشق إذا سالت منه قطرة على الصخر صار قلباً يخفق، وإذا تجرد القلب من الحب تحول إلى صخر ومات، ويستكمل بصورة جمالية أخرى يعقد فيها مقارنة بينه وبين المسجد فيقول: إنه (برهمي) أي كافر هندي ولكن يملؤه العشق والحنان اللذان هما سر وجوده، ويصف كيف يملأ الإيمان قلبه ووجدانه([9]).
أما المقطع الرابع؛ فيتحدث عن الرجل المؤمن، أو كما وصفه رجل الحق([10]) الذي أسس المسجد فيقول: إن كليهما يجمع بين الجلال والجمال، ويشبه أعمدة المسجد الكثيرة بكثافة نخيل صحراء الشام في كثرتها وعلوها، ويزيد الصورة جمالاً بأن علو مآذنه مهبط الملائكة، والنور الذي على أبوابها مثل نور الوادي الأيمن، وسره لا يمحى مثل الرسالات التي جاء بها "إبراهيم" و"موسى" عليهما السلام، ثم يصف الأمة الإسلامية التي يمثلها المسجد فيقول: إن أرضه بلا حدود، وسماءه بلا صغور، ورسالة الأمة الإسلامية في العراق وأوربا ومصر ما هي إلا موجة صغيرة في بحره الواسع، فالمسلم فارس ميدان الإيمان، يعيش في ميدان المعركة متذرعاً بالتوحيد([11]).
وفي المقطع الخامس؛ يوجه حديثه للمسجد ويقول له: إنك كشفت سر العبد المؤمن كيف يقضي حرارة نهاره ونشوة ليله مع الله تعالى، ويصف هذا الرجل بسمو أخلاقه وسيرته في العالم، ويؤكد أن يد الله بعونه في يد هذا العبد المؤمن، آماله ومطامعه قليلة، وأهدافه جليلة، نزيه في السلم والحرب، إيمانه هو نقطة الدائرة التي يدور العالم من حولها، فهو غاية العقل، لباب الحب.
وفي المقطع السادس؛ يوجه كلامه مرة أخرى للمسجد فيقول له: يا قبلة الفن، ومفخرة الإسلام، بك أصبحت أرض الأندلس مقصد المسلمين، ليس لك نظير إلا في قلب المؤمن، ثم يتحسر على رجال الإسلام أين هم اليوم، الذين كانوا مُعلِّمِين للشرق والغرب، والذين انتشلوا أوربا من ظلمة الجهل والظلام الحالك إلى النور والعلم، ففي أسبانيا نرى عيون المها، ونفحات اليمن، ورنات الحجاز([12]).
وفي المقطع السابع؛ يخاطب أسبانيا فيتغنى بأرضها، ويتوجع على أن أجواءها لم تسمع الأذان من قرون، ويذكر الثورات التي قامت في ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، ويحلم بأن تقوم ثورة تجتاح العالم الإسلامي فتنفخ روح التجديد.
أما المقطع الثامن والأخير؛ يخاطب نهر قرطبة "الوادي الكبير" بأنه يرى حلماً بعيداً في طيات المستقبل لو رآه أعين الناس لفقدت رشدها، وجن جنونها، ويشيد بفضل التجديد في حياة الأمم والشعوب، وأن الصراع هو روح الأمم، وأن كل إنتاج بشري لم يدم له القلب، ولم تتألق به النفس، فهو جدير بالزوال والفناء([13]).
***
المبحث الثاني: الصور الشعرية في "مسجد قرطبة":
تعد الصورة الشعرية عماد المنظومة وأساس وجودها، إذ إنها هي الجسر الذي يصل بين الشاعر والمتلقي، الذي ترقى ذائقتها إذا وجد نصاً شعرياً جميلاً بما فيه من صور شعرية رائعة([14]). وقيل: إن على الشاعر أن يبحث عن الوسيلة التي يتوصل بها إلى نقطة تلاقي حلمه الشعري بالحقيقة، وإلى جلاء الصلة بين فكره والواقع، ليوحي في شعره بالحقيقة المطلقة، فالصور الشعرية تُمثل هذه الوسيلة، إذ بفضلها يصل الشاعر إلى تثبيت العلاقات التي تصل ما بين الأشياء والفكر، وما بين المحسوس والعاطفة، وما بين المادة والحلم أو الخيال التي يتجاوزها([15]). فالصورة تعني ترادف أشكال البيان من تشبيه واستعارة وكناية، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالجانب الحسي([16]). فالصورة الشعرية في "مسجد قرطبة" تتعلق بإبداع الشاعر في فن المنظومة، وينقسم هذا الإبداع إلى ما يلي:
- الصور البيانية.
- المحسنات البديعية.
أولاً: الصور البيانية:
وتختص بالناحية البلاغية الجمالية في استخدام الشاعر من حيث التصور والخيال، ومدى إبداع الشاعر في جلب الصور المثالية للمعنى، وهي تتمثل في "التشبيه، والاستعارة" وهي كالتالي:
- 3. التشبيه:
- استخدم الشاعر التشبيه المفصل إذ يقول:
تيرى بناپايدار، تيرے ستوں بے شمار
شام كے صحرا ميں ہو جيسے ہجوم نخيل!
الترجمة: بناؤك محكم وأعمدتك لا تحصى، مثل نخيل كثيف في صحراء الشام.
هنا ذكر الشاعر الأركان الأربعة للتشبيه؛ لذا فهو مفصل حيث شبه أعمدة المسجد بنخيل الشام وذكر أداة التشبيه "جيسے"، وذكر وجه الشبه وهو الكثرة فقال: إن الأعمدة لا تحصى والنخيل كثيف. وسر جمال التشبيه يكمن في التوضيح حيث إننا نجد أن طرفي التشبيه حسيان. وقد خص "إقبال" نخيل صحراء الشام لأن مؤسس المسجد "عبد الرحمن الداخل" ينحدر من بلاد الشام، ذلك الذي غرس أول شجر النخيل فى أرض الأندلس([17]).
- التشبيه المجمل إذ يقول:
"جن كى نگاہوں نے كى تربيت شرق وغرب
ظلمتِ يورپ ميں تهى جن كى خرد راه بيں"
الترجمة: الذين ربت نظراتهم الشرق والغرب، وعقلهم كان نوراً في ظلمة أوربا.
هنا شبه عقل الرجل المؤمن بالنور الذي أضاء أوربا، فهو تشبيه مجمل حيث ذكر المشبه وهو العقل والمشبه به وهو النور الذي أضاء ظلمة أوربا، ووجه الشبه محذوف وهو استنارة أوربا بالإسلام والعلم.
- التشبيه البليغ إذ يقول:
"حرف غلط بن گئى عصمت پير كنشت
اور ہوئى فكر كى كشتىء نازك رواں"
الترجمة: محيت عصمة البابا مثل الحرف الخطأ، وتحركت سفينة الفكر الرقيقة.
هنا نرى التشبيه البليغ؛ حيث شبه الفكر بالسفينة وهي المشبه به، وحذف الأداة ووجه الشبه، لذا فهو تشبيه بليغ، وسر الجمال يكمن في تجسيم الأمر المعنوي بالأمر الحسي فيجعله محسوساً ونلمسه.
- 4. الاستعارة:
- استخدم الشاعر الاستعارة المكنية فيقول:
"مرد خدا كا عمل عشق سے صاحب فروغ
عشق ہے اصلِ حيات، موت ہے اس پرحرام"
الترجمة: عمل رجل الحق بالعشق يكون له رونق، العشق هو أصل الحياة، والموت محرم عليه.
هنا شبه العشق بالإنسان أو الكائن الحي وحذف المشبه به وهو الإنسان، وذكر وجه الشبه وهو الحياة والموت لأنهما يخصان الكائنات الحية، فنراه حذف المشبه به ورمز إليه بشيء من لوازمه. كما أنه جمع بين شيء حسي "الإنسان"، وآخر معنوي "العشق".
ويقول أيضاً:
"عالمِ نو ہے ابهى پردهء تقدير ميں
ميرى نگاہوں ميں ہے اسكى سحر بے حجاب
الترجمة: والعالم الجديد لا يزال وراء ستار القدر إلى الآن، لكن نظري يرى سحره بدون حجاب.
هنا شبه القدر بشيء ملموس وحذفه ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الستائر، لذا فهي استعارة مكنية.
ويقول أيضاً:
"پرده اٹها دوں اگر چہرهء افكار سے
لانہ سكے گا فرنگ ميرى نواؤں كى تاب"
الترجمة: لو رفعت النقاب عن وجه الأفكار، فلا يستطيع الغرب تحمل كلامي الثوري.
هنا نرى صورة مركبة الأولى: "رفع النقاب عن وجه الأفكار" حيث شبه الأفكار بشيء ملموس وحذفه ورمز إليه بشيء من لوازمه وهو الستائر، والثانية: "وجه الأفكار" حيث شبه الأفكار أيضاً بالإنسان وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو الوجه، وكلاهما استعارة مكنية.
ويقول أيضاً:
ظلمت يورپ ميں تهى جن كى خردراه بيں
الترجمة: كانت عقولهم مشاعل في ظلام أوربا.
حيث شبه الكفر والجهل الذي كان منتشراً في أوربا قبل الإسلام، أو قبل بناء المسجد؛ بالظلام، وهنا شبه عقول رجال الإسلام بالمشاعل التي أضاءت هذا الظلم، وهنا شبه شيئاً محسوساً بآخر معنوي.
ويقول أيضاً:
عشق بلا خيز كا قافلهء سخت جاں!
الترجمة: حطت قافلة العشق المهيب ذات العزم الشديد رحالها.
حيث شبه مجيء رجال الإسلام وعلى رأسهم "عبد الرحمن الداخل" بقافلة العشق الشديد، التي حطت رحالها في أرض أوربا، فقلبت أوربا بأسرها لأنها ذات عزم شديد، ورحال قوية، فنراه شبه قافلة الإسلام، وهي شيء حسي بقافلة العشق، المشبه به معنوي، وحذف المشبه، واكتفى بالمشبه به ووجه الشبه.
ويقول أيضاً:
صورت شمشير ہے دست قضا ميں وه قوم
كرتى ہے جوهر زمان اپنے عمل كا حساب!
الترجمة: تلك الأمة كالسيف في يد القدر، هي تلك التي تدقق عملها على الدوام.
هنا أيضاً صورة مركبة الأولى: وهي "يد القدر"، حيث شبه القدر بالإنسان وحذف المشبه به وأتى بشيء من لوازمه وهو اليد، وهي استعارة مكنية، والصورة الثانية: تشبيه مجمل حيث شبه الأمة واثقة الخطى بالسيف في يد القدر وهو المشبه به.
- استخدم الشاعر الاستعارة التصريحية إذ يقول:
"بوے يمن آج بهى اس ہواؤں ميں ہے!
رنگ حجاز آج بهى اس كى نواؤں ميں ہے!"
الترجمة: اليوم أيضاً تفوح رائحة اليمن الذكية في هوائها، أصوات الحجاز اليوم أيضاً في أغانيها.
يقول الشاعر موسيقى الحجاز - ويقصد بها الأذان - يُسمع في موسيقى الأندلس، وهي استعارة تصريحية؛ حيث شبه الأذان بالموسيقى (الأغاني) وحذف المشبه الأذان وصرح بالمشبه به الأغاني، وقال: الحجاز؛ لأن الأذان شعيرة من شعائر الإسلام الذي موطنه ومهبطه أرض الحجاز.
- استخدم الشاعر الاستعارة التصريحية إذ يقول:
آج بهى اس ديس ميں عام ہے چشمِ غزال
اور نگاہوں كے تير آج بهى ہيں دل نشيں
الترجمة: ولا تزال عيون الغزال منتشرة في هذه البلاد حتى اليوم، ولا تزال سهام أنظارهم مستقرة في القلب.
يقصد الشاعر هنا بعيون الغزال أي عيون نساء أهل الشام، وهي استعارة تصريحية؛ حيث شبه عيون نساء أهل أوربا بعيون الغزال (مثل عيون نساء أهل الشام)، وحذف المشبه عيون النساء، وصرح بالمشبه به عيون الغزال، وأتى بشيء من لوازمه وهي استقرار سهام نظراتهم في القلب، مثلما تُصب سهام نظرات أهل الشام.
وسر جمال التشبيه والاستعارة يكمن في التشخيص، أي جعل غير العاقل شخصاً، والتجسيم أي جعل الأمر المعنوي محسوساً ونلمسه، والتوضيح حين يكون طرفا التشبيه حسيين أو معنويين.
([1]) أمجد سيد أحمد، إبراهيم محمد إبراهيم، شاعر الشرق محمد إقبال، مطبوعات سفارة باكستان الإسلامية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997م، ص99.
([2]) عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك، المعروف بلقب صقر قريش، وكنيته أبو المطرف، ولد سنة 113هـ/731 م في خلافة جده هشام بن عبد الملك، في بلاد الشام عند قرية تعرف "بدير حنا"، توفي أبوه شاباً عام 118هـ في خلافة أبيه هشام بن عبد الملك، فنشأ عبد الرحمن في بيت الخلافة الأموي "بدمشق"، وكان جده يؤثره على بقية إخوته ويتعهده بالصلات والعطايا في كل شهر حتى وفاته، أسس عبد الرحمن الدولة الأموية في الأندلس عام 138هـ، بعد أن فر من الشام إلى الأندلس في رحلة طويلة استمرت ست سنوات، بعد سقوط الدولة الأموية في دمشق عام 132هـ، وتتبع العباسيون لأمراء بني أمية وتقتيلهم، دخل الأندلس وهي تتأجج بالنزاعات القبلية والتمردات على الولاة، فقضى عبد الرحمن في فترة حكمه التي استمرت 33 عامًا، في إخضاع الثورات المتكررة على حكمه في شتى أرجاء الأندلس، تاركًا لخلفائه إمارة استمرت لنحو ثلاثة قرون، توفي في 24 ربيع الآخر عام 172 هـ، وقد دفن في قصر قرطبة. للمزيد راجع:
http://ar.wikipedia.org/wiki. 9/3/2013
([3]) سيد عبد الماجد الغوري، ديوان محمد إقبال، دار ابن كثير، الطبعة الثالثة، الجزء الثاني، دمشق، بيروت، ص 469.
)[5]) http://www.awda-dawa.com/print 12/12/2013
([6]) ميرزا محمد منور، محمد سميع مفتي (مترجم)، مقالة بعنوان "تأثير الأدب العربي في شعر إقبال"، مجلة إقباليات العربية، العدد الرابع، 2003م، ص 57.
([7]) مولانا غلام رسول مہر، مطالب بال جبريل، شيخ غلام على اينڈ سنز لميٹڈ، لاہور، اشاعت ششم، 1987ء، ص 117، 118.
([10]) "مرد خدا، مرد مؤمن، مرد حر" كلها مسميات للرجل المؤمن أو المسلم المثالي الذي يرى العلامة محمد إقبال أنه يجب أن يتشبه به المسلمون، وربما يقصد به في الغالب النبي صلى الله عليه وسلم، باعتباره المثل الأعلى للمسلم، وقد حدد العلامة إقبال صفات الرجل المؤمن في كثير من أشعاره، وشبهه بالشاهين الذي هو أرقى أنواع الصقور، فالشاهين حاد البصر محدد الهدف واضح الرؤيا لا يتجه إلى الهدف إلا بعد دراسته، ولا يأكل من صيد غيره، ولا يأكل جيفة أو ميتة، ولا يطير مع من هم أقل منه درجة، ولا يركن إلى الراحة، ولا يميل إلى التفكير والتأمل، ولا يبتني لنفسه عشاً، ويطير في أعالي الجبال، ويسكن قممها، وهذه المعاني كلها نجدها في منظومة له بعنوان "شاهين"، وهناك الكثير في وصف الرجل المؤمن. للمزيد راجع/ إبراهيم محمد إبراهيم، بحث بعنوان "مرد خدا"، ضمن كتاب "إقبال والإنسانية"، سفارة جمهورية باكستان الإسلامية، القاهرة، ص:17.
([13]) عبد المعين الملوحي (مترجم)، ميرزا سعيد ظفر چغتاى، وسوزان بوساك، جناح جبريل، الديوان الخامس، ج 1، دار ابن كثير، ص470-475.
([14]) عبد العزيز مصعب، مقالة بعنوان"جماليات الصورة الشعرية"
http://www.drmosad.com/index. 26/12/2013
([15]) محمد غنيمي هلال، النقد الأدبي الحديث، دار نهضة مصر للنشر، الطبعة الحادية عشرة، القاهرة، 2012م، ص 397.
([16]) عبد العزيز مصعب، مقالة بعنوان "جماليات الصورة الشعرية"، نقلاً عن: نصرت عبد الرحمن، في النقد الحديث، ص 69.
http://www.drmosad.com/index. 26/12/2013