رؤية في الأديب الملتزم
كتب   ▪ بتاريخ 09/11/2021 13:33 ▪ تعليقات (0) ▪ طباعة  أرسل لصديق  أرسل لصديق 

العدد 118

منصور إبراهيم الدخيل - السعودية

 

بالعودة إلى الوراء نجد الأديب يعيش في أجواء تكاد تكون سوية، بعيدة عما يحصل الآن لبعض الأدباء، بعبارة أخرى ممن يسمون أنفسهم أدباء، وهم غير ملتزمين بالأدب وقيمه.

 فالأديب يفترض أن يكون لديه مبدأ يؤمن به، يحلِّق به يميناً وشمالاً، باحثاً عن الحكمة، مؤصلاً لها في موروثه الأدبي.

       فالأدب العربي يعتبر مرتعاً خصباً للأديب لاشتماله على كل عناصر النجاح؛ لغة وخطابة وشعراً ونثراً وبلاغة وفصاحة. فكلما كانت لغته العربية فصيحة استطاع أن يستمتع ويمتع غيره بمكنوز هذه اللغة التي تأتي بأشكال مختلفة.

 فالشاعر عندما ينظم قصيدة وجدانية أو حماسية أو رومانسية أو كلاسيكية فإنه يطرب غيره، ويشده ويتفاعل معه، وتصل عند بعضهم إلى محاولة حفظها وترديدها إعجاباً واستمتاعا.

 وهذا النهج سار عليه الكثير من الأدباء، ولاسيما في العصور الإسلامية التي كان فيها الأدب في أبهى صوره؛ لأن لغته العربية كانت قوية، ولم تتأثر بحالات الاستعمار والتغريب وتداخل الثقافات، وتتأثر بعضها ببعض؛ لأنه في الوقت الحاضر لغتنا العربية تعرضت لحمله شرسة سواء كان في بعض أدوار الخلافة العثمانية، أو الاستعمار الذي تعرضت له بعض الدول العربية.

 فلهذا تجد الأدباء بعضاً منهم ليس لديه الالتزام الكامل بمكونات الأدب العربي، والاعتزاز بهويته، وانتمائه بالرغم من أنه يقدم نفسه إلى القارئ والمستمع من خلاله. فوسائل الإمتاع التي يزخر بها أدبنا العربي فناً وجمالاً يستخدمها هذا الأديب غير الملتزم، ولكنها في غير محلها، وهذا تجن فاضح يرتكبه هذا الأديب تجاه أدبه الذي قدمه إلى الأمة.

 فلو تأملنا في جميع الأدباء في الوطن العربي نجد الذي قدمهم إليها هي لغتنا العربية، فلهذا لا يستطيع أي إنسان أن يصنف نفسه أديباً إلا من خلالها والالتزام بها نصاً ونحواً وتحدثاً وكتابةً وعمقاً.

 وقد سطر الكثير من الأدباء صوراً للأديب العربي الملتزم حتى عند غير المسلمين من العرب، ونتذكر إيليا أبو ماضي وشعراء المهجر كافة رسموا صوراً للأديب الملتزم، وليس كما يحصل الآن الذي تأثر بعض من الأدباء العرب في عصرنا الحديث بمدارس أدبية دخيلة تحت مسميات الحداثة، ومصطلحات لا تمت إلى موروثنا الثقافي بأي صلة؛ مثل الشعر الحر وغيرها من التسميات التي تقمصت من بيئات أخرى.

       وهذا التوجه لا يصب في نسق الأديب الملتزم، ولا يصب أيضاً في خدمة أدبنا العربي الموسوعي الغني بكل مقومات الأدب سواء كان في العصر الجاهلي أو العصر الإسلامي، فعندما نتعمق في معظم مسيرات الأدباء في هذين العصرين؛ نجد الالتزام شبه التام في الأدب ومقوماته، فلهذا أقول للأديب غير الملتزم: لا تفسد ما تحمله من مكونات أدبك العربي في غير محلها، وظفها لخدمته حتى تصبح أديباً ملتزماً. والله من وراء القصد.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(* صحيفة الجزيرة: الجمعة16محرم 1434هـ، 30/11/2012م)

 

تعليقات القراء
لاتوجد تعليقات على هذا المقال الى اﻷن

علق برجاء التدقيق اللغوي لما يكتب